١٢/٣١/٢٠٠٧

الانمساخ .. أمثولة العجز عن الحيــاة


.. أحدهم يـُعيل أسرته حباً لها فحسب و حرماناً للنفس..
إعالتهم هي قدره المأساوي .. لكنّه ، لهذا السبب بالذات يفقد هويّته البشرية و بهذا يفقد إذاً قدرته على الاستمرار في إعالة الأسرة ، و حالما يتوضح ذلك لا تعود الأسرة و المحيط ، مهما حسنت النية ، قادرين على الاعتراف به كإنسان.
ما الذي حدث حقا ً لـ " غريغور سامسا " ؟
شيء خارق يبعده بضربة واحدة عن صفوف البشر ، و لا هو نفسه يبدو أنـّه يفترض ذلك ؟! إذ يتحمّل الانمساخ كشيء لا يبدل أمراً حاسماً في حياته ، إنّ ما ينقص غريغور و جميع الآخرين هو قبل كل شيء فهم ما حدث له . سامسا يُنكر انمساخه ، لا يحاول حتى مناقشة سببه و عائلته لا تفهم هذا الانمساخ .
العلاقات المتبادلة تُقام على حسابات تقديرية و مصالحات لا يعود أحد يدري مداها ، تخرج عن السيطرة حتّى تشوّه الجوهري في الإنسان و تدمره . يُقام نظام المظهر ، ينشأ عالم ظاهره الرضا .. لكنْ في أحلام سامسا ، كما في هواجسنا و أزماتنا الوجودية ، ينقشع هذا المظهر و تبدو الحقيقة على شكل حشرة ضخمة. الذات هي الغريب بشكل مطلق .. المُلغى ، غير الموجود في عالم الأعمال و عالم الأسرة ، الحقيقة المرعبة لهذه القصة هي الإدراك أنّ أجمل العلاقات بين البشر و أكثرها رقـةً و حناناً إنّما تقوم على الخداع .. لا أحد يعرف أو يحسّ ما يكون هو نفسه و ما يكون الآخر. غريغور سامسا شوّه نفسه من خلال تضحيته بنفسه ، و الآن تصير التضحية مرئيةً و قد جرى تشويهها تشويهاً كبيراً لا رحمة فيه . غريغور سامسا خُدع ، تضحيته أيضاً كانت بلا معنى .. كلّ سعادة الأسرة و كل ارتياح كان قائماً على الخداع و على حسابات مستترة ، تحابّ الأسرة ، حاجتها ل غريغور الذي إعتقد أنّه ينبغي عليه أن يؤمّن لأسرته حياة جميلة و آمنة بأن يضحي بنفسه و رغباته ، كان كذباً .. و لم تكن ثمّة حقيقة قـط .
الانمساخ .. هو أصلاً كشفٌ و حسب عمّا كان موجوداً . إنّ القرف و الاشمئزاز هما تفاقم المهانة و الإذلال الذين عرفهما غريغور في السابق . إنّ الحدّة الهائلة ل الانمساخ إنّما تكمن في أنّه يظلّ واقفاً بأقصى تطرف على نقطة لا يمكن الفصل فيها بين الحقيقة و اللامعقول. انمساخ سامسا هذا هو حلم ٌ مجسّم .. هو أكثر من حلم أيضاً .. إنّـه الحقيقة التي تظهر عندما يصبح الانسان نفسه. إنّ الانقسام بين عالم حياة سامسا و شكل سامسا الحشري هو الانقسام بين " التصوّر " وَ " الكينونة " . غريغور سامسا هو شخص لا معقول ، قبل تحوّله ، و جزء من محيطه اللامعقول .. لكنّ هذا الشخص يحاول بطريقة مؤثّرة و مأساوية أن يخرج من هذا المحيط كي يصل إلى عالم البشر ، فيموتُ يائساً.
نحن و غريغور ، نشهدُ عن كثب ما الذي يعنيه أن يكون المرء مجرد حشرةٍ زائدة عن اللزوم .. نشهد الاستلاب في عالم ٍ مزيّف و غلبة الماضي المتكرر الذي لا نجاة منه ل غريغور لكنّ ذنبه إنما يكمن في إخفاقه في التمرّد و التحرر . إنّه يتبنى نظرة الآخرين و يصبح لهذا السبب حشرة ً بالنسبة لنفسه .
كان يُمكن لانمساخه أن يؤدي إلى ولادة ٍ جديدة ً، أن يجازف المرء و يعيش حياته الخاصة به .. أن يرفض التكفير إلى ما لانهاية عن ذنب الوالدين و رفض الردّ على الإذلال بإذلال الذات ، من شأنها أن تكون الاستيقاظ من الحياة التي تحولت الى كابوس. كل الإذلالات التي تعرض لها في حياته السابقة تستحوذ عليه ، إنّه لم يجد طريقه إلى حياة خاصة به ، الخوف و التردد منعاه من القيام بالخطوة الحاسمة نحو الحريّة ، إنّه ما زال مجرد ابن و الإنسان الحقيقي لم يُلد قط .
كانت حياته السابقة نوماً ، لكن بالنسبة لمن يتردد طويلاً لا يبدأ الكابوس إلا عند الاستيقاظ .
ألم يكنْ للحشرة أجنحة ٌ لم تستخدمها قط ؟


١٢/٢٦/٢٠٠٧

لوليتا


كانت (لو).. (لو) فقط في الصبح

وقد وقفتْ مرتدية ًجورباً واحداً

وكانت (لولا) وهي تسترخي وقت القيلولة

وكانت (دولي) في المدرسة

وكانت (دولوريس) في الأوراق الرسمية

ولكن بين ذراعي.. كانت دائماً

لوليتا..

نور يضئ حياتي..

ونيران تشتعل في أحشائي

خطيئتي..

روحي

لوليتا

....


و لكن لم يكن ستوجد لوليتا على الإطلاق

لو لم أقابل نابيل أولاً...

كان كلينا في الرابعة عشر من عمره

وما يحدثُ لصبي في صيف بلوغة الرابعة عشر من عمره

لا يمكن أن يمحى من حياته إلى الأبد .


إن فندق ( ميرانا ) الذي تراه خلفنا.. كان لنا وحدنا..

كانت تريد أن تصبح ممرضة.. وكنت أريد أن أكون جاسوس

وبدون أن ندري وفي لحظة مختلسة من الزمن، وقعنا في حب يائس، مجنون..


بعد أربعة أشهر ماتت من التيفود.. صدمة موتها جمدت شيئاً بداخلي..

الصبية التي أحببتها قد ماتت.. ولكني ظللت أبحث عنها

حتى بعد ان تركت طفولتي خلفي لسنوات طويلة

كان السم موجوداً في الجرح كما ترى.. ولكن الجرح لم يندمل!!







فلاديمير نابوكوف هنا ، فيما وصف بأنّها " قصّة الحب الوحيدة المقنعة في القرن " .. يحكي عن معاناة بطل الرواية "همبرت همبرت " في عشق فتاة لم تتجاوز الثانية عشرة من العمر، و سـقوطه الاخلاقي المتكــرر في سبيل الاحتفاظ بلذة العشق الأول التي أحس بها تجاه أول فتاة أحبها في طفولته.

سأعود كثيراً ، آمل ، للحديث عن همبرت همبرت بالذات .. ليس لأنّ في داخلي همبرت من نوع مــا ، قد يكون ، و لكن لأنّ فهم همبرت يمكن أن يجعل أيّ منا ينظر مجددا إلى ذاته و يبحث عن لوليتا(ه) .. ،

السؤال هنا .. هل قرأت " لوليتا " / هل شاهدت فيلم "لوليتا " ل ستانلي كوبريك ( 1962م ) .. ، نعم ؟ هل تتعاطف - بأي شكل - مع همبرت العجوز ؟

لا .. ؟ .. حسناً ، سأحدّثك أنا عنها









١٢/١٤/٢٠٠٧

في الأتوبيسات المنطلقة من أنطاكيا إلى اسطنبول .. تعوّدت أن أختار شخصاً مناسباً ، أتقمّص له روح كاتب قصص جوّال يبحث في الإستراحات عن حكايا ضائعة ، أو فنان بوهيمي يريد أن تنتهي حياته بحادث اصطدام .

مــّرة أخبرتُ العجوز ، الذي اخترته ، أنني أبحث عن حبيبة تركتني قبل 5 أعوام و سمعتُ أنها الآن تسكن في الشوارع الخلفية للتقسيم. أشعر كثيراً بالإثارة حين يبدو مأخوذاً و يحوّر تعابير وجهه ليقول بدهشة : " يالها من حــياة " . بعدها .. و بكل ميلودرامية .. و في اللحظة المناسبة تماماً ، أتحدث عن موت أمّي و أنا في السادسة ، فيفتح خزانة عواطفه لي .

في الحقيقة ، حياتي فاشلةٌ تماماً ، و لا يمكن لأحد سواي أن ينظر لها باندهاش و حسد . لكنّ تلك الأرواح التي أتقمصها تساعدني كثيراً على تأجيل فكرة الإنتحار و تجعلني أصدّق ، وهماً ، أنّ حياتي قد تتحول يوماً إلى حياة ..

في الحقيقة أيضاً .. لم تمتُ أمّي و أنا في السادسة

حدث ذلك و أنا في الثانية عشر لكنّ السادسة تبدو لي أكبر تأثيراً .

و هكذا يا إخوتي ، الرتوش البسيطة أثناء الحكي ..

و تقمّص أرواح آخرين ، في علاقة عابرة مع عابرين

لهما سحر لن يفهمه أبداً

من لم يضطر لسرقة حنان الآخرين .

لـ أبي : أنــَا إستثمار ٌفاشل ، سيَخيْب أملكَ كثــيراً ..

عمّـي : أنــَا نصف مجنون .. و أكرهُك، إحترس فقد أبلغتُ عنك عزرائيل !

صاحب العمل : يشردُ ذهني كثيراً .. ستعمّ الفوضى ،

امرأتي : متى ستدهمكُ العربة يا حبيبتي و يزحفُ الأسوَد في خراباتي الصغيرة ، و يهتمّ الناس بي قليلاً ؟! ستدهمكُ العربة يا حبيبتي .. آآآه .

البحر : أعرف العوم جيّداً .. للأسف .

فراشة : أنت دودة ٌفي الأصل ..

أصدقائي : أنـَا جاهزٌ تماماً .. اشحذوا خناجركم ، نعم .. هنا .. بلطف .

فتــاة ليل : كلّ راتبي بجيب سترتي العلوي .. اعتني بي جيداً ، همم .... .

صموييل بيكـت : لا شيء يحدث .. لا أحد يجيء !

أيـّها الموت : أنت خائفٌ منّي !

في جولاتي الليلية الغامضة

يصرّ القمر أن يتبعني

أحـاول أن أتخفى منه في الحارات الجانبية

أدخل في زقـاق ضيّق

أختبأ في الظلام

إلا أنّه سرعان مـا يفضحني بنوره

بعد كأسين من الكونياك الرديء ..

عرفتُ كـيف سأتخلّص منه هذه الليلة

سأستدرجه إلى أقرب بركة مــاء

و أمزّقه ركلاً بجزمتي ...!

١١/٢١/٢٠٠٧

من " نصّ الغيابْ ".. إعادةُ صياغة لـ طبيعة الوهم !

أنا لستُ سوى كشّاش فاشل لأرواح الكلمات،

الكتابة..الكلمات..الآخرون،كلّ ذلك،بحثُ متوهّم ٍ عن حياة متوهمّة.

هنا، في ثنيات الورق الإفتراضيه هذه، حاولتُ أن أبني بيتاً و تكون لي حديقة.. و أنا أعلم أنّ الحجارة ستنهار، دائماً، هنا في هذا المكان. أوهامي هي الحديقة و البيت..و الآخرون اختراعي. لا ممّر للآخرين من هنا، أنا أخلقهم و أدفنهم.. أخترعهم بشراً افتراضيين في عالم افتراضي.. لألهو معهم..ليكونوا لُعباً فقط، ثمّ أدفنهم.

و ما يرونه، كل الذي ترونه، مجرّد لمعانٍ داخلي متوهّم لعدمٍ يظنونه وجوداً.. كتابة الأوهام هذه ليست سوى كتابة فَقْد !

الأوهام حياتي: أحتفظُ بها لتكون لي حياة. سباني الوهم قديماً و طار بي حتى خلتُ نفسي الطير و كلّ الأرض شجرتي. هنا،أروّض حياتي..موهوماً و سعيداً ، هُزمتُ كلّ مرّة .. لكن وهمي هذا يُسعدني. حين أسلّم بأنّ وهمي " وهم "، و أنّي لم أقنع نفسي بوهمي.. سأخرّ صريع يأسي !

الوهم هو السعادة و الحقيقة هي اليأس.. ، سأحتفظُ بأوهامي, سأزيدها.. سأبحث عن وهم آخر.. و كلّما ضاع وهم سأخترع وهماً و إلاّ كيف يمضي كلّ هذا الوقت ؟

الوهم نعمتي الوحيدة، إلهي الوحيد، ف لأقدسّه. و لتكن الحقيقة عمياء.. فلا تراني و أنا ألقى مصيري بين السنابك، و ليكن خنق الأحلام رايتي و أنا أخوض هذه المعركة فأصل َ إلى الهزيمة و ليس برفقتي كائنٌ بريء.

أنا الكاتب: أعترف.. لا يُهمني أن يجيء.. ما أتوهمه!

١١/١٩/٢٠٠٧

لا يخرجُ إلا في ليالي الصيف.. ليتخـفّف من ظلّـه الثقيل.

الرجلُ الضخم، بيده حفنة مسابح ملوّنة.. و ساعات ٍ تجاوزها الوقت. على ظهره همّ قاتل .. يتعلق بهدوء، يدور عارضاً بضاعته لطاولات ممتلئة ببقايا عابرين - أكره أصحاب المسابح و الساعات كفّت ،أصلاً، عن أن تكون إنتظاراً لوهم ..من يشتريها هنا ؟ - . لا يحلمُ بالهجرة من هذا المكان، سيتابع المشي كل ليالي حياته .. عيناه المطفئتان، يغمضهما داخل أجفان أثقلها الحنين إلى صور الوجوه و الطرقات.

قبل يومين أوقفته قبل أن يسقط خارج طريقه اليومي .. أمسك بيدي و أشتكى من زحمة العالم وَ وحدته . مدّ لي ساعة جيب مقابل حناني العابر ، لم أغضب كثيراً حين انتبهت ، لاحقاً ، أنها بلا عقارب!

١١/١٤/٢٠٠٧

كلّ ليلة ..

أعود في ساعة متأخرة من التعب ،

سيجارتي لا تنطفيء .. علّ الجمر الذي في القلب

يستحيل رماداً .. ،

الوقت يمرّ كـعابر سبيل جوار نافذتي ..

الخواء ضيّق !

كلّ شيء هنا مستعار ..

أنـا .. وجوه الناس في الزحام ..

صور " إليْسَا " على جداري .. رقم " تهاني " في هاتفي

و صداقات الشات ..

" زينب " تريدني أن افترض الإحتمالات الطيبة لكل السوء الذي حدث لي .

يـا أصدقــاء : الحب خـُدعة .. و الرغبـة مشبوهة ..

لكنّي – رغم تعاستي – سأستمر في انتظار ما لن يجيء ..

ليست هذه مدينتي .. ليس هذا عالمي

أعلمْ .. أعلمْ !

١١/١٣/٢٠٠٧

و .. مــوسى لـم يَـصل إلى أرض المـيعاد .




١١/٠١/٢٠٠٧

ATTN :

إلى الطفل المنسيّ .. المراهق الغريب ، الشاب اللا منتمي ، الرجل المختنق الواقف على الحافة من كل شيء ، و على الوشك من لا شيء ... ، إلى صديقي سليم .

.. تعــرفُ كـم هـي هائلة ٌ المعاناة و الإزدواجية اللتين تتسبب فيهما طغيان الواجبات الوظيفية على المرء ..، الشرخ العميق بينه و بينه ، أن يصبح المكتب امتداداً لمنزل الطفولة غير المحبوب و غير المحِّب ، مرادفاً لغربة صاعقة ، انفصال شبه قدري عن نظرائـه . تدريجياً تعلقُ في حلقةٍ مُفرغة ، حيث الوظيفة نوع من أنواع العبودية و حيث الحياة صراع ٌ مستمر بين الرغبة و الواجب ، بين الحقيقة المشتهاة و توأمها البشع ، الحقيقة مفروضة ٌ فرضاً ، بين التوق الساحق للكتابة و الأدب و ضرورة العمل الماحقة بدورها.

يـا صديقي : ثمّة وجهة ٌ ، لكن لا طريق .. ما نسميه طريقاً هو تردّدٌ فحسب ، و بالنسبة لمن يتردد طويلاً لا يبدأ الكابوس الحقيقي إلا عند الإستيقاظ .

١٠/٢٣/٢٠٠٧

أن تجيء الحياة متأخرة ً ... خير من ألا تجيء أبداً

أنا لا أعرف كيف يُكتب الشعر .. ولا القصص

ولا يستهوني ، مُطلقاً ، التفكير في القضايا المصيرية للوطن

لا أعرف طريقة محدّدة لبدء علاقة مع امرأة ..

و أتعرّق ، توترّاً ، إذا خطرت إحداهن أمامي

أراقب الظلّ المتأخّر ورائـها .. و اصفي حسابي مع الرغبة حين أنام

أنا ، أيضاً ، لم أعد أطلب أشياء كثيرة من هذا العالم

و هذا لا يعني أنّي أعيش بلا رغبات حقيقية ..

لديّ الكثير منها ..

لكنّي ، أحياناً ، أظنّ أن الوقت تأخرّ كثيراً على انتظار حدوثها .. أو حتى على الإستمرار في انتظارها

لا أدري ، لكنّ هكذا ردّدتُ لنفسي حين أبديت اهتماماً زائداً بتصفيف شعري هذا الصباح

١٠/١٠/٢٠٠٧

أنا لن أتحدّث عمّن قتل هاشم حجر ..

ليس ذلك مهمّاً .. على الأقل ليس هنا

... هاشم كان مجرّد اسم ، لا أكثر ، في أوراق

"الطيبين لعدم وجود بديل" .. الفزّاعات الذين ذكروه ، فقط ، نكاية ً بالآخرين ..

حسناً .. لم تكن نكايتهم قويّة كفاية لتخرج هاشم حجر من الظلام ..

ربما أيضاً .. لم يعتقد الآخرون أنّه يجب أن يخرج ..!

لكن .. على الأرجح لم يكن هاشم مهمّاً لأحد .. ،

الجميع تآمروا على هاشم ..

هم تآمروا عليه بالإهمال .. لأنّه لا يحب معاوية كثيراً – على عكسهم- ،

الآخرون تآمروا عليه .. لأنّه وحيد .. و بسيط .. و من "هناك" ..

جسده أيضاً تآمر عليه .. خذله و لم يستطع الإحتمال ،

يبدو أنّ الله أيضاً لم يكن يحبّ هاشم ..

أستطيع أن أجزم أنّ الله لا يحبه من قديم .. ،

منذ أعطاه قلباً طيباً .. و أجنحة من ورق ، و يقيناً بوطن و حقوق و عدالة ، وصبر .. و أصدقاء مساكين ...

لكن ليس مهمّاً أن يحبّه الله ..

لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يقدّم دليلاً وحيداً على أنّ الله يحبّه .. !

عندما قال دويستوفيسكي : " لا بدّ للواحد من بيت ما ، يستطيع الذهاب إليه "

.. كان يتحدث عن بشر كلاسيكين ، لهم عيونٌ حمر و نجوم فوق أكتافهم .. لكن قطعاً لم يكن يتحدث عن هاشم حجر !

" يجب أن يظلّ إهمالنا لك ، يا هاشم ، ..

معلّقاً فوق سمائنا ..

أن نتحسسه من وقت لآخر

حتى نفهم جيّداً أنّ الرعب

ليس فقط في سقوط الأشياء

من أعلى "

.. لا تغفر لهم يا هاشم .. لا تغفر لهم ، فإنهم كانوا يعلمون ..

١٠/٠٣/٢٠٠٧










"كما الذباب لدى الصبية العابثين ، كذلك نحن لدى الآلهة ، تقتلنا لكي تتسلى"



(شكسبير-الملك لير)






٩/١٦/٢٠٠٧

مرّة ً ... سقط حظّي في ’ذاك الشيء‘ ، .. و لم ألتقطه

٩/١٢/٢٠٠٧

هاتف جوّالي...قلبي الذي ضيّعته

من ينسى ، للحظة ، قيمة الشيء الذي يحبّه ، يُنكب بفقده ..

ثمّ يقيم صداع الندم في صدره ، طويلاً ، يُـحرق سجائره على الأرصفة بلا توقف .. عبثاً

أيـّها الليل الذي يُخاصم بهجتي ...

أيتها السماء التي بلا علامات

أيـّها الأصدقاء الذين قد لا ألتقيهم أبداً

أيـّها الرب الذي أعرف أنـّه لن يعوضني

مار ، صادف لقائي بك - افتراضياً - لحظة فقدي

أيـّها العالم التافه .. ، يا كلّ كوابيسي

قلبي بات في جيب أحدهم الليلة .. و سيبقى هناك إلى أبده

رسائلي القصيرة ، أحاسيس بشر بعيدين .. ذكرياتي المخزّنة في تلافيفه

يدي التي إعتادت الإطمئنان عليه بوجل، خدوش وجهه التي وثّقت بدايات صداقتنا ..

صوت " فـيروز " الذي يوقظني في الصباحات ب : دروب الهوى..

أوووه ، سأخاصم نفسي طويلاً بعد اليوم .. سأبكي كما الندّابات أمام الأبواب السوداء

يا مبدّل القلوب ... لا أريد سوى قلبي ، أعده لي

أو امسخ ذاك الذي ظلمه ، خنزيراً وحشياً .. إلى أبدي

(أنا ... البارحة ، في مقهى قميء)

٩/٠٩/٢٠٠٧

بيد أنّ الحسرة العتيقة هنا ..

.. والحزن الذي لا شفاء له هنا

و أمل السنين القديمة الملعونة هنا ..

و الوحش غير المرئي هنا ..

إنّـه يغـرز ببطء شوكته في القلب الوحيد ..

٦/١٥/٢٠٠٧

من أيـن يأتي هذا الإغتراب الباهظ الذي يقوّض حامله ؟ و هل في الحياة المنسوجة من صدف كثيرة متّسعٌ للراحة ؟

هل في جوهر الإنسان ما لا يخدع الإنسان ؟

هل يمكن أن يكون تأمل الزمن الآفل .. كافياً للحكم على الأزمان كلها ؟

هل في العودة إلى الزمن الماضي ضمانٌ للسعادة أم أنّ إحتمال السعادة يبقى قائماً حتى بالنسبة لمستقبل عصيّ على التحديد ؟

.... في لحظات العودة إلى الماضي بحثاً عن إجابة لسؤال حاضر هناك شيءٌ ما يجعل من الماضي ، من جديد ، بحثاً عن إجابة لسؤال حاضر ، سؤالاً مرهقاً جديداً .. و في حضور الأسئلة القائلة بالتداعي و الإغتراب و عدم اليقين و في جوّ من اليأس الإنساني و الأسى ، وطيد الجذور ، آثر صديقي الرحيل بعد رحيل أحلامه أكثر من مرّة .

صديقي .. ، حلم ذات مرّة بالإنتصار ، في حياته ، و حصد الخيبة .. إنهزم قبل أن يُهزم .

.. حين أتأمل فيه .. ، في أحلامه و أوهامه .. في صحوته الفاجعة التي تدفع به إلى موت طوعي ينطوي ، ربما ، على انبعاث محتمل .. ، أشفق على هذا الإنسان المخذول الذي يكاد اغترابه الوجودي يتسع لجميع البشر ..و أن يضيق بغرفته الصغيرة .

صديقي مغتربٌ عن حبه الحقيقي الأول ، عثر عليه و أضاعه ، مغترب عن مهنته ، هو مثال للرجل المخذول .. ، مغتربٌ عن المهمّة التي أوكلت إليه ، يتعامل مع بشر يعرف مدى خبثهم و ماديتهم .. ، مغترب عن ذاته .. لأنّه عاش طويلاً على أنصاف الحقائق و أنصاف المواقف ، إنسان منقسم ، إذا نظر إلى ذاته رأى آخر ، و إذا ذهب إلى اتجاه وصل إلى غيره ، فلا هو بالزائف و لا هو بالحقيقي .. على وجهه قناع و على قناعه ما يُشبه الوجه أو يـَلتبس به .

همّه يقود معرفته .. و معرفته غائمةٌ .. مقيّدة الأطراف . حياته إتكاءٌ على البسيط الذي يُصبح مركّباً ، الخير و الشر .. و الهويّة .. و الصفاء الإنساني .. الذي أفقه الوحيد هو الموت .

٥/٢٢/٢٠٠٧

حياته تستحوذ عليه ..

لم يجد الطريق إلى حياة خاصة به .. الخوف و التردد منعاه من القيام بالخطوة الحاسمة نحو الحرية . إنه مازال مجرد ابن و الإنسان الحقيقي لم يُلد قط .

كانت حياته السابقة نوماً ... لكن بالنسبة لمن يتردد طويلاً لا يبدأ الكابوس الحقيقي إلا عند الإستيقاظ .

٤/٠٩/٢٠٠٧

لا أستطيع ...

الطرقات تتزايد على الباب ، صوت أنفاسه المتلاحقة .. تمتمات مرتبكة ، يستمر الطرق ... يا ئساً .

أنا .. ملقاً في الزاوية .. ظلامٌ كامل .. و بالكاد أقوى على النظر نحو الباب ..

يتوقف الطرق الآن .. ، إنّه يبتعد ، و أنا أشعر ببؤس عظيم إذ أعلم الآن أني ضعيف .. و أنني لن أجتاز ذلك الباب أبداً نحو العالم الواسع .

كل شيء أرغب فيه .. على الجانب الآخر من هذا الباب .. على بعد خطوات .. ، و تستحيل المسافة إذ كانت لدي فرصة ٌ واحدة فقط .. و عجزت عنها .

عند نهاية ذلك الباب .. تنتهي حدود الأمكنة .. و الزمن ، و ما يعنيني لم يعد أكثر من ألم مقيم و يأس دائم .

... أعرف الآن أني لا أحب الحياة ، كفاية ، بالقدر الذي إعتقدت .. و أنّ المكان .. و الآخرين قد تمكّنوا مني تماماً ...

و أن إندفاعتي الأخيرة .. ما كانت أبعد من رعشة إنسان يُحتضر ... .

٣/٣١/٢٠٠٧

الصديق القريب دائماً من نفسي ،

الليلة .. وحيداً في شقّتي ، أغلقتُ باب الغرفة .. و تركتُ لأم كلثوم تغنّي أحد وصلاتها الطويلة .. " أقبل الليل يا حبيبي " ؛ لحن حزين.. مـُغرق في الشجن .. ، تدثرت لحافي و جلستُ في الزاوية ، و للمرّة الأولى منذ فترة طويلة تنتظم أفكاري و تتواتر بشعور بدا مريحاً لوهلة .. لكنّه مؤلم في نهاية الأمر ، و ذلك أنّ استحضار الذكريات جاء حنيناً لماض ٍ مفقود و تفاصيل تكاثفت لحدّ التجسّد .

الحقيقة أنني لم أنطلق من نقطة محددة في قدّاس الذكريات هذا .. مجرّد سؤال عبثي و يائس عن كلّ هذا الذي جرى لحياة كانت حافلة .. اعتقدت بأزليتها يوماً ما .. شعورٌ بائس و قتامه في العين .. و دمعةٌ تستعجل الحضور ، ثمّ وجدتني أُخرج ذكرياتٍ كانت .. دون تحديد .. و كان ما كان .. ؛

قبل ست سنوات ، عزيزي سليم ، و في أيّام – تقريباً – مثل هذه الأيام من العام ألفين .. و مع بداية النصف الأول لي في الجامعة .. ، مدفوعاً برغبة عارمة في ممارسة الحياة بصورها كلّها .. ممتلئاً نعمة ، بعلاقات اجتماعية واسعة كانت مثار استفهامات لا تنتهي .. ، علاقة بدأت متوازنة بين رغباتي و تصوّر عمي للحياة .. ، قصّة حب رائعة كانت قد مضت لتأتي بعدها إلهام .. بكلّ أنوثتها و انطلاقها ، خالقة عالماً سرّياً تداخل فيه الجنس و الصداقة و الغيرة و شيء من الحب و اكتشاف الشهوة الجسدية .. و كلّ ما تفعله العلاقات الآثمة(بحسب التعبير الشرقي) في شابٍّ يتعرّف على ذكورته و يحتفي بملذات الجسد ..

بدا العالم جميلاً حينها .. أحسبه كذلك الآن .. حياةٌ ملوّنة .. لم يكن يشغلني فيها البحث عن هويّة أو تعريف أقدّم فيها نفسي للعالم ، أؤمن بأشياء قد أرفض معظمها فيما بعد .. ،

لا يمكنني القول أنّ تلك الأيام كان لها أن تستمر بذلك اللون .. ، كلّ شيء كان ممكن الحدوث .. لكنّ الدهشة تحصل عندما يحدث كل شيء فجأة .. و يتغير عالمك تماماً ،

.. النتشة مثلاً .. ظهر فجأة في حياتي حينها .. حاملاً معوله ... هادماً طمأنينة الأشياء من حولي .. ، وقع كتاب الوجودية لسارتر .. تفاجئي ب كافكا و كوابيسه و علاقته التعيسة مع والده و العالم .. ثمّ لم تعد إلهام تمتلك منّي سوى جسدي المدمن .. و الأصدقاء من حولي تراجعوا ليصبحوا ك حواري المسيح (تأثّراً لا عدداً ) .. ينتظرون أن أشرح لهم الخلاص .. مع أنّهم سيبيعونني للألم - فيما بعد - بثلاثين من الفضّة .. ، انهدام توازني في العيش مع عمّي .. و واقعي السابق التوفيقي الفكر صار شديد اللامعقولية ... ،

استيقظت ذات صباح معلناً للأصدقاء المنتظرين .. أنّ الله لا يوجد .. و إن هي إلا حياتنا الدنيا .. نخوض و نحزن .. و أنّ حريّة الإنسان الفردية في مواجهة المجتمع هي شرط وجودنا الإنساني .. و دونها ضرب الرقاب و حطام العالم . ..

في لحظة ما .. أعتقد أني تحولت إلى أحد أبطال الروايات .. لم يكن ممكناً التراجع ..

و حده الطريق نحو النهاية .. نهاية مجهولة ، لكنّي لم أكترث أبداً لمعرفتها بقدر ما حرصتُ على درامية الحدث – الثورة ذاتها ..

و ها أنا انتهي قبل النهاية .. كما ترى ... محطّماً .. غارقاً في الدهشة و الوحدة .

... الآن مثلاً حين أتذكر هروبي ذات منتصف ليل من عالم عمّي ، أغراضي الدنيوية البسيطة التي جمعتها في حقيبة صغيرة ، تاركاً خلفي منزلاً مرفّهاً .. دفء .. و سرير و ملايات ملونة و ناعمة .. ، حاملاً ما ظننته صليبي إلى جلجلة العالم الخارجي .. ، متلهّفا لاحتضان حريتي .. ، انطلقت ، تماماً كما الروايات الحزينة ، في يوم ثلجي عاصف .. عارفاً أنّه لا يمكن أن أعود إذ أجتاز عتبة عالمي القديم .. ، أبداً ، نحو المجهول الذي لم يخيفني حينها .. متطلّعاً فقط نحو خلاصي الفردي من عالم يمتد من حدود قريتي الصغيرة حتى منزل عمّي في اسطنبول .. بكلّ ما يمثله ذلك العالم من أفكار و علاقات و أشكال حياة ..

حين أتذكر تلك اللحظة الفاصلة بين الاستقرار و التردّي العبثي في وحشة عالم لم أمتلك فيه لا القدرة و لا الفرصة على التموضع و التقاط الأنفاس .. ، تماماً و كأنني عبرت الباب نحو الهاوية دون سابق علم .. ، حين أتذكر ذلك و أفكر في عجزي الحالي عن الإتيان بأدنى فعل أو حركة تجاه ذاتي .. أدرك تماماً برودة الأيام و خريف الحياة الذي استطال ليأسرني .. و أنّ الحياة ذاتها قد تجاوزتني بمسافة واسعة ..حيث أنّي لا أعلم حقاً هل يمكن أن أمسك بها من جديد ؟

في يوم ممطر .. مع نهايات الخريف .. ، سائراً في شارع الاستقلال الطويل .. البشر يتحركون بآلية هرباً من مطر مفاجئ ، ازدحامهم الحميم الذي طالما أشعرني بقسوة الوحدة و عبثية الحياة في عالم الجموع ..، و لأوّل مرّة .. كنتُ ممسكاً بيد سارة الإيرانية .. نسير بهدوء و احتفاء .. تحت مظلّتها الطفولية الملّونة .. لأوّل مرّة أعرف معنى أن يقترب إنسانان بهذا الحنان و الصفاء .. رأسها الحبيب مرتاحاً على كتفي .. رائحتها .. رائحتي .. رائحة المطر و المكان و الناس ... ، كانت تتحدث عن رغبتها في تصفيف شعرها القصير على طريقة الخمسينيات (صدقنّي لم تكن تعرف ما هي الخمسينات ) .. ، نرتاح في أحد الزوايا ممتلئين بالمطر و حرارة الأنفاس .. يدها الصغيرة تبحث عن شيء غير محدد في صوف كنزتي الشتوية ، و يدها الأخرى في يدي .. عينيها المتوترتين تتابعني .. و أنا .. و أنا محتضناً دهشة العالم ..

أوووه يا صديقي .. ، صورةٌ كهذه ، كيف يمكن استعادة الأحاسيس التي حفّتها ؟ .. كيف يمكن أن تعرج إلى قمّة العالم ثم تعود لتخبر عن الذي رأيته و شعرته ؟

لا أبالغ أيها الصديق حين أخبرك .. أنّي في نهاية ذلك اليوم .. حين عدُت لوحدتي .. بكيتُ .. بكيتُ بحيرة .. و بخوف أن أفقد تلك اللحظة .. بكيتُ لفرحي و اندهاشي لذلك التواصل الطبيعي .. المريح و الحميمي مع إنسان تحبّه.. بكيتُ و أنا أتذكر يدها الصغيرة التي تُمسك بتلابيب ثيابي كطفل صغير تحتضنه .. و أبكي الآن من جديد فقدان كل ذلك .. أبكي أيضاً – كمطر ذلك اليوم – قبلاتها الطفولية التي كانت تُدهشني بها فجأة كطفل يريد أن يوصل لك شعوره بالراحة معك ...

عالمي .. عالمها .. و رحلتْ ..، و بقيتُ أنا .. و لم تزل صور جولاتنا القصيرة و وجها الناعم .. كلماتها البسيطة المقتضبة و التصاقها الطفولي بجسدي .. و يدها التي دائماً ما كانت تعبث بزار قميصي .

صرتُ وحدي .. و في أيام الوحدة القاحلة و الانعزال و صعوبة التواصل مع الآخرين ..

و الجوع المتعاظم لعاطفة .. ، تجدني هذه الصور و تسمم أيّ هدوء ممكن ..

أنا الليلة يا صديق .. أبو عبد الله الصغير يبكي مُلكاً مضاعاً .. !

٢/٠٢/٢٠٠٧

من يحتاج ، كي يعيش ، إلى تبرير .. لن يجده ...

... إنّه هالك !