٥/٢١/٢٠١٠

عنها .. من جديد





[ ما لن أراه ثانيةً ، سأحبه إلى الأبد ]
( يهودا عاميحاي )


يوم ٌ ممطر ، نهايات الخريف ، أسير في شارع " الاستقلال " الطويل . البشر يتحركون سريعاً .. هرباً من مطر مفاجئ ، تلك الحركة التي تخلق ازدحامهم الحميم . لأوّل مرّة .. كنتُ ممسكاً يد سارة ، نسير بهدوء ، تحت مظلّتها الملّونة ،ربما كانت أوّل مرّة أجرّب فيها معنى أن يقترب إنسانان بهذا الحنان و الصفاء . رأسها مرتاحاً على كتفي .. رائحتها .. رائحتي .. رائحة المطر و المكان و الناس، المسامات التي تتفتح على الجلد مع هواء المطر، نسير و هي تتحدث عن رغبتها في تصفيف شعرها القصير على طريقة الخمسينيات (مالذي تعرفه هي عن الخمسينات ؟) .. ، نرتاح في أحد الزوايا ممتلئين بالمطر و حرارة الأنفاس ، يدها الصغيرة تبحث عن شيء غير محدد في صوف كنزتي الشتوية و يدها الأخرى في يدي .. عيناها متوترتان ، و أنا اراقبها .
في نهاية ذلك اليوم ، حين عدُت لوحدتي ، بكيتْ . بكيتُ خوف أن أفقد تلك اللحظة ، بكيتُ دهشتي من جمال ذلك التواصل المريح و البسيط مع إنسان تحبّه و تعرف أنه يحبك . بكيتُ و أنا أتذكر يدها الصغيرة التي تُمسك بثنيّات ثيابي . و ها أنا أبكي الآن ، مرّة أخرى ،فقدان كل ذلك . أبكي أيضاً – مطر ذلك اليوم – و قبلاتها الطفولية التي كانت تخزّني بها فجأة كطفل يريد أن يوصل لك شعوره بالراحة معك .

عالمي ، عالمها ، و رَحَلَتْ ..، و بقيتُ أنا .. و معي خيالات جولاتنا القصيرة ، وجهها الناعم ، كلماتها البسيطة المقتضبة ، التصاقها الطفولي بجسدي و يدها التي دائماً ما كانت تعبث بزرار قميصي .

صرتُ وحدي ، و في أيام الوحدة القاحلة و الانعزال و صعوبة التواصل مع الآخرين و الجوع المتعاظم لعاطفة .. ، تجدني هذه الخيالات و تسمم أيّ هدوء ممكن .