٢/٢٠/٢٠٠٩

هــناك دائما ً زرٌّ آخـــر

كلّ مساء .. كانت هذه المرأة التي رأيتها في اليوم الأول على عتبة الباب، تجلب لي صحفاً من الطعام و كأساً من الخمر لعشائي. في البدء كنت آكل ، لكنني في ما بعد صرت اترك كل شيء دون أن أمسه. طوال عدة أيام. و في كل صباح جديد تأتي لاستعادة الأشياء و كانت تتردد لحظة وكأنها راغبة في أن تسألني لمَ لمْ آكل. لكنها لم تكن تجرؤ . و ذات ليلة علي أي حال ، كانت ليلة أحد ، و كانت مرتاحة. لم تكن قد اتعبت نفسها بالحصاد في الحقل. كانت قد غسلت شعرها و لبست ملابس الأحد. صدارة مشدودة ذات تطريزة حمراء كما أذكر. كان الطقس حاراً في الخارج و كانت قد فتحت قميصها قليلاً و ظهر إنش من رقبتها وَ زيتت شعرها بزيت الغار حسب عادة الريفيات ذلك أنّ رائحتها كانت حلوه . لا اعرف كيف .. و لكنها ذكرتني بالكنيسة و عيد الفصح بعد أن كنا قد زيناها بالأمس و رششنا أوراق الغار على أرضها. كان الهواء مشبعا برائحة الغار والقيامة.
و ضعتْ الصحن و الخمرة على المائدة ثم استجمعت شجاعتها – من يعرف لماذا – ألأنها كانت مرتاحة ؟ ( حمام ، وبعض العطور ، و زرٌ مفتوح ، هذا كله يعين المغوي على إلقاء شخص ما إلى الجحيم ) ، على أي حال باستجماعها شجاعتها هذه المرة فإنها لم تخرج بل ظلت واقفة حيث كانت.


لمَ لم تأكل الأيام الأخيرة يا أب أغناطيوس ؟ سألتني و صوتها مليء بالعطف والأهتمام. و لكي أقول الحق كانت كما لو أنّ ابنها لم يرضع منذ عدة أيام. وكانت قلقة من أنه قد يمرض . لم أجب .. و لكنها لم تخرج – أتعرف السبب ؟

إنك لا تزال شابا لذا فأنت لا تعرف. لأن الشيطان داخل رحم المرأة لا ينام .. كان يشتغل.

قالت ستدمّر صحتك يا أب أغناطيوس . الجسد أيضاً من صنع الله... و علينا أن نغذيه. تمتمتُ لنفسي " ابق ورائي يا شيطان " و رفضتُ أن ارفع عيني لأنظر إلى المرأة وبغتة أطلقتُ صرخة و كأنني كنت اغرق " اخرجي " خافت المرأة فركضت باتجاه الباب. و لكنني حين رأيتها تقترب منه أتضح لي أنني خائف أيضاً . كنت خائفا من أن تتركني. اندفعتُ إليها ، وأمسكتُ بها من شعرها . كنتُ قد أطفأتُ المصباح لكي لا يراني المصلوب . هرب الضوء .. و الظلمة هي مسكن الشيطان . و أنا لا أزال ممسكاً بها من شعرها. ألقيتُ بها على السرير. كنتُ أخور مثل العجل .. وكانت صامتة ، امسكتُ بصدارها وسحبته .. وبحركة واحدة فتحت أزرار قميصها كلها.

كم من السنوات مرّت منذ ذلك الحادث ؟ ثلاثون ؟ أربعون ؟ لا ، ولا سنة . لقد توقف الزمن .. هل سبق لك أن رأيت الزمن يتوقف؟ أنا رأيت. ثلاثون عاماً وأنا افكك أزرار قميصها ولا نهاية لذلك . هناك دائما زر آخر.

أبقيتها معي حتى الفجر دون أن اسمح لها بالذهاب. يا إلهي أية متعة كانت ! و أي تخفف ، و أية قيامة ! لقد كنتُ مصلوباً طوال حياتي . وفي تلك الليلة قمت ... لكن كان هناك شيء آخر . القِـسْم المخيف ، القسم الذي اعتقد أنه يشكل خطيئتي . لهذا جلبتك هنا إلى حجرتي ، لكي تحل لي اللغز . القسم المرعب هو هذا : للمرة الأولى في حياتي أحسستُ بالله يقترب مني . يقترب بذراعين مفتوحتين. أيـّة منة أحسستُ بها ! وأية صلوات أديتها طوال ذلك الليل حتى طلوع الفجر. وبأي كمال انفتح قلبي وسمح لله بالدخول !

للمرة الأولى في حياتي . آآه . . لقد سبق لي أن قرأت ذلك في الكتاب المقدس من قبل. ولكن تلك كانت مجرد كلمات – للمرة الأولى في حياتي اللإنسانية الجافة فهمت إلى أية درجة هو الله طيب ، وإلى أية درجة – يحب الإنسان ، وكم أنه اشفق عليه لكي يخلق له المرأة ، ويخصها بفضل أن تقودنا إلى الجنة عبر أقصر الطرق وأكثرها ضمانا. المرأة أقوى من الصلاة ومن الصوم – سامحني – أقوى حتى من الفضيلة.
وتوقف مذعوراً من الكلمات التي تلفظ بها . وانحدرت دمعتان من عينيه الغائرتين تحت حاجبيه وهو يلقي بنظرة متضرعة إلى المصلوب.

" سامحني يا مسيحي " جأر ، ثم أغمض عينيه ، لكي لا يرى الأيقونة . لكنه بشكل ما ، استجمع نفسه فورا ، وفتح عينيه ونظر إلى. كنت على وشك أن أفتح فمي لأقول شيئا ما ، و لم تكن لدي فكرة عمّـا سأقوله. لكنني لم أستطيع احتمال الصمت والدموع التي ظلت تنحدر من العينين الشائختين التي كانت ترعبني. و قبل أن تسنح لي الفرصة للتلفظ بكلمة واحدة مدّ يـده و كأنه سيضعها على شفتي. قال : لم أنته ، عند الفجر نهضتْ المرأة بسرعة و ارتدت ملابسها. ثم فتحت الباب بهدوء وخرجت. أغلقتُ عيني وبدأتُ أبكي . و أنا مستلق في السرير على ظهري. لكنّ تلك الدموع لم تكن مثل الدموع المرّة الحاقدة التي كنت أذرفها في حجرتي . كان فيها شيء من الحلاوة التي لا توصف. لأنني أحسستُ بأنّ الله كان في حجرتي ، منحنياً على مخدتي. و كنت واثقاً من أنني لو مددت يدي للمسته.

لكنني لم أكن توماس المتشكك ، لم أكن في حاجة إلى أن أمد يدي لألمسه. امرأة هي التي منحتني هذا اليقين. أكرر : امرأة وليست صلاة أو صياما : امرأة ليباركها الله ، هي التي أدخلت الله إلى غرفتي.

نيكوس كزانتكس
تقرير إلى غريكو