١٢/٣١/٢٠٠٩

نهاية





من يُحب أكثر هو تابع ٌ وضِيع ، و لابدّ أن يُعاني ... .

توماس مان

٦/٢٩/٢٠٠٩







لعلــّـها كانت هادئة وَ شديدة الثقة بنفسها ..
ربما حسب بعض طلبة فصلنا أنها باردة و متغطرسة ،
لكنــّي أكتشفت شيئاً آخر ،
شيئاً دافئاً وَ هشــّــاً تحت السطح مباشرة ،
شيئاً مثل طفل يلعب الغميضة ، خفياً في أعماقها ،
و إن كان يتمنى أن يعثر عليه أحد !

٥/٢٧/٢٠٠٩

وَ بعد ؟


من جديد .. لا شيء

أنا هنا ..


٣/٠٩/٢٠٠٩

أحرق ُ ذاكرتي





في تلك اللحظة .. قبل ان تدور الساعة دورتها الأخيرة لتلك الليلة .. كان كلّ شيء معتماً امامي .. لا اعرف أين سأسير .. كيف يمكن أن استمر .. مالذي يمكن ان افعله .

فقط المسافة من باب غرفتي الى الدرج .. وَ بعدها اتجاوز هذا العالم الثقيل الخانق .


لا  أتذكـــّر  - رغم أني قضيت وقتاً طويلا في التفكــير – أنني كنتُ افهم مالذي سأنتهي اليه بعد اسبوعين فقط ، انا الذي كنت احسب انني في اسوأ الأحوال سأكون قادرا على ان امضي في النقلة الأصعب في حياتي لفترة قد تكون محدودة بالأبد و قد تكون محكومة ب عدد من الأشهر ..  ،  كانت مقامرتي الأولى و الكبيرة .. راهنتُ فيها على كل شيء دون ادري ، ذلك انّي – كما لازلتُ اعتقد حتى الآن – كنتُ مدفوعاً في سياق اختلطت فيه افكاري المتراكمة و المحمومة حول الحرية الفردية و ما تقتضيه من صدام مع قيود الأب و العائلة بـ  ايماني الجديد – و المستمر حتى الآن -  بعبثية هذا العالم و وجوب محاولة البحث له عن معاني ذاتية .. الحرية .. التجربة .. الحب ..

 

كنت أستعيد في خيالي كلّ قصص الهروب التي قرأتها او سمعتها .. ،  و أحاول تخمين نهاية لقصتي أنا .

 

 

حمَد



 

لا أستطيع الجزم متى و كيف كانت المرة الأولى التي إلتقيتُ فيها حمد ..  على الرغم من تواتر ذاكرة الطفولة عندي و حضورها المستمر في مناماتي و صحوي .

أتخيّل اني اعرفه منذ بدأت وعيي بالأشياء و الأشخاص . و دائماً ما تحضرني تلك اللحظة التي بكينا فيها – انا و هو – طويلاً و نحن نحتضن بعضنا ليلة سفري الى اليمن .. كنتُ في التاسعة حينها على الأرجح .. و هو كذلك .. كانت تلك أوّل مرة أغادره فيها و لا تزال تلك الدموع تذكرني كلّما حاولت ان أفهم ماذا فعلت بنا الحياة بعد كلّ هذا الوقت !

 

كنّا نسكن في الشقة العلوية من عمارة يملكها والده و يقيمون هم في طابقها الأرضي الواسع . درسنا في نفس المدرسة الصغيرة الواقعة على الطرف البعيد من شارعنا  .. كنّا في نفس الفصل .. و طبعاً تشاركنا نفس الطاولة ..

اشتركنا في نفس المعارك الطفولية الصغيرة و رافقنا نفس الأشخاص .. نتبادل الأحذية و القمصان و حتى اننا كنّا نستحم سوية في الغالب .

 

حتى اليوم لم أشترك مع انسان او اتقاسم معه حياة ً يومية لفترة طويلة كما كنتُ و حمد .. و حتى آخر مرّة قابلته فيها كنتُ أعامل في البيت على أنّي فرد من العائلة كلّما مررتُ عليه . 

 

كانت آخر مرّة رأيتُ فيها حمد في 2004  تقريباً .. كانت ليلة زواجه .. عدتُ بعدها الى اسطنبول لأعود بعد أشهر قليلة و علمتُ انه ذهب ليواصل الماستر في أميركا ، لم أحاول أبداً التواصل معه بعدها  لكنني كنتُ أمرّ على بيت العائلة من وقت لآخر .

 

 

لا أفهم مالذي حدث ..

 

و بسبب الدموع التي تمتليء بها عيناي الآن يبدو أنّ حمد لا يزال قادراً على أن يكون أحد أكثر البشر الذين عرفتهم قدرة على إثارة حنيني .

 

٢/٢٠/٢٠٠٩

هــناك دائما ً زرٌّ آخـــر

كلّ مساء .. كانت هذه المرأة التي رأيتها في اليوم الأول على عتبة الباب، تجلب لي صحفاً من الطعام و كأساً من الخمر لعشائي. في البدء كنت آكل ، لكنني في ما بعد صرت اترك كل شيء دون أن أمسه. طوال عدة أيام. و في كل صباح جديد تأتي لاستعادة الأشياء و كانت تتردد لحظة وكأنها راغبة في أن تسألني لمَ لمْ آكل. لكنها لم تكن تجرؤ . و ذات ليلة علي أي حال ، كانت ليلة أحد ، و كانت مرتاحة. لم تكن قد اتعبت نفسها بالحصاد في الحقل. كانت قد غسلت شعرها و لبست ملابس الأحد. صدارة مشدودة ذات تطريزة حمراء كما أذكر. كان الطقس حاراً في الخارج و كانت قد فتحت قميصها قليلاً و ظهر إنش من رقبتها وَ زيتت شعرها بزيت الغار حسب عادة الريفيات ذلك أنّ رائحتها كانت حلوه . لا اعرف كيف .. و لكنها ذكرتني بالكنيسة و عيد الفصح بعد أن كنا قد زيناها بالأمس و رششنا أوراق الغار على أرضها. كان الهواء مشبعا برائحة الغار والقيامة.
و ضعتْ الصحن و الخمرة على المائدة ثم استجمعت شجاعتها – من يعرف لماذا – ألأنها كانت مرتاحة ؟ ( حمام ، وبعض العطور ، و زرٌ مفتوح ، هذا كله يعين المغوي على إلقاء شخص ما إلى الجحيم ) ، على أي حال باستجماعها شجاعتها هذه المرة فإنها لم تخرج بل ظلت واقفة حيث كانت.


لمَ لم تأكل الأيام الأخيرة يا أب أغناطيوس ؟ سألتني و صوتها مليء بالعطف والأهتمام. و لكي أقول الحق كانت كما لو أنّ ابنها لم يرضع منذ عدة أيام. وكانت قلقة من أنه قد يمرض . لم أجب .. و لكنها لم تخرج – أتعرف السبب ؟

إنك لا تزال شابا لذا فأنت لا تعرف. لأن الشيطان داخل رحم المرأة لا ينام .. كان يشتغل.

قالت ستدمّر صحتك يا أب أغناطيوس . الجسد أيضاً من صنع الله... و علينا أن نغذيه. تمتمتُ لنفسي " ابق ورائي يا شيطان " و رفضتُ أن ارفع عيني لأنظر إلى المرأة وبغتة أطلقتُ صرخة و كأنني كنت اغرق " اخرجي " خافت المرأة فركضت باتجاه الباب. و لكنني حين رأيتها تقترب منه أتضح لي أنني خائف أيضاً . كنت خائفا من أن تتركني. اندفعتُ إليها ، وأمسكتُ بها من شعرها . كنتُ قد أطفأتُ المصباح لكي لا يراني المصلوب . هرب الضوء .. و الظلمة هي مسكن الشيطان . و أنا لا أزال ممسكاً بها من شعرها. ألقيتُ بها على السرير. كنتُ أخور مثل العجل .. وكانت صامتة ، امسكتُ بصدارها وسحبته .. وبحركة واحدة فتحت أزرار قميصها كلها.

كم من السنوات مرّت منذ ذلك الحادث ؟ ثلاثون ؟ أربعون ؟ لا ، ولا سنة . لقد توقف الزمن .. هل سبق لك أن رأيت الزمن يتوقف؟ أنا رأيت. ثلاثون عاماً وأنا افكك أزرار قميصها ولا نهاية لذلك . هناك دائما زر آخر.

أبقيتها معي حتى الفجر دون أن اسمح لها بالذهاب. يا إلهي أية متعة كانت ! و أي تخفف ، و أية قيامة ! لقد كنتُ مصلوباً طوال حياتي . وفي تلك الليلة قمت ... لكن كان هناك شيء آخر . القِـسْم المخيف ، القسم الذي اعتقد أنه يشكل خطيئتي . لهذا جلبتك هنا إلى حجرتي ، لكي تحل لي اللغز . القسم المرعب هو هذا : للمرة الأولى في حياتي أحسستُ بالله يقترب مني . يقترب بذراعين مفتوحتين. أيـّة منة أحسستُ بها ! وأية صلوات أديتها طوال ذلك الليل حتى طلوع الفجر. وبأي كمال انفتح قلبي وسمح لله بالدخول !

للمرة الأولى في حياتي . آآه . . لقد سبق لي أن قرأت ذلك في الكتاب المقدس من قبل. ولكن تلك كانت مجرد كلمات – للمرة الأولى في حياتي اللإنسانية الجافة فهمت إلى أية درجة هو الله طيب ، وإلى أية درجة – يحب الإنسان ، وكم أنه اشفق عليه لكي يخلق له المرأة ، ويخصها بفضل أن تقودنا إلى الجنة عبر أقصر الطرق وأكثرها ضمانا. المرأة أقوى من الصلاة ومن الصوم – سامحني – أقوى حتى من الفضيلة.
وتوقف مذعوراً من الكلمات التي تلفظ بها . وانحدرت دمعتان من عينيه الغائرتين تحت حاجبيه وهو يلقي بنظرة متضرعة إلى المصلوب.

" سامحني يا مسيحي " جأر ، ثم أغمض عينيه ، لكي لا يرى الأيقونة . لكنه بشكل ما ، استجمع نفسه فورا ، وفتح عينيه ونظر إلى. كنت على وشك أن أفتح فمي لأقول شيئا ما ، و لم تكن لدي فكرة عمّـا سأقوله. لكنني لم أستطيع احتمال الصمت والدموع التي ظلت تنحدر من العينين الشائختين التي كانت ترعبني. و قبل أن تسنح لي الفرصة للتلفظ بكلمة واحدة مدّ يـده و كأنه سيضعها على شفتي. قال : لم أنته ، عند الفجر نهضتْ المرأة بسرعة و ارتدت ملابسها. ثم فتحت الباب بهدوء وخرجت. أغلقتُ عيني وبدأتُ أبكي . و أنا مستلق في السرير على ظهري. لكنّ تلك الدموع لم تكن مثل الدموع المرّة الحاقدة التي كنت أذرفها في حجرتي . كان فيها شيء من الحلاوة التي لا توصف. لأنني أحسستُ بأنّ الله كان في حجرتي ، منحنياً على مخدتي. و كنت واثقاً من أنني لو مددت يدي للمسته.

لكنني لم أكن توماس المتشكك ، لم أكن في حاجة إلى أن أمد يدي لألمسه. امرأة هي التي منحتني هذا اليقين. أكرر : امرأة وليست صلاة أو صياما : امرأة ليباركها الله ، هي التي أدخلت الله إلى غرفتي.

نيكوس كزانتكس
تقرير إلى غريكو

١/٠١/٢٠٠٩

1-1-2009

من على شرفة ٍ في الطابق الثالث .. وحيدا ً وَ هادئاً وَ لا شيء يغريني غير َ أغنية ٍ تذكــّـرتها الآن .. وَ كتاب .. وَ يد ٍ تــُـشبه يدي معلــّـقة ٌ على لوحة المفاتيح .. وَ فكرة ٌ قادمة لكتابة شيء ٍ هنا .. وَ مروحة ٌ تدورُ فوق رأسي قررت أنــّـها أمــّي .. وَ رماد ٌ هش لـ سيجارة ألقيتها للتو .. وَ حركة خفيفة وراء النافذة المقابلة .. وَ كيس ٌ يحاولُ برتابة ٍالتعلــّـق على بروز ٍ في الجدار .. وَ كتاب .. وَ يد ٍ تــُـشبه يدي معلــّـقة ٌ على لوحة المفاتيح .. وَ فكرة ٌ قادمة لكتابة شيء ٍ هنا .. وَ مروحة ٌ تدورُ فوق رأسي قررت أنــّـها أمــّي .. وَ رماد ٌ هش لـ سيجارة ألقيتها للتو .. وَ حركة خفيفة وراء النافذة المقابلة .. وَ أغنية ٌ تذكــّرتها الأن .. وَ يد ٍ تــُـشبه يدي معلــّـقة ٌ على لوحة المفاتيح .. وَ فكرة ٌ قادمة لكتابة شيء ٍ هنا .. وَ مروحة ٌ تدورُ فوق رأسي قررت أنــّـها أمــّي .. وَ رماد ٌ هش لـ سيجارة ألقيتها للتو .. وَ حركة خفيفة وراء النافذة المقابلة .. وَ كيس ٌ يحاولُ برتابة ٍالتعلــّـق على بروز ٍ في الجدار .. وَ كتاب .. و لا شيء آخر، يغريني !

.. الساعاتُ الأولى من فجر الليلة الأولى من العام الجديد ، هي نفس الساعاتِ الأولى من فجر الليلة الأولى من العام الماضي ، .. أنا أمام النافذة .. وَ الروح في مصيدتها . غالبا ً كنتُ في نفس هذه الزاوبة التي أجلس فيها الآن ، قبل قليل كنتُ أتحدّث إلى سليم .. وَ على الأرجح قلنا نفس الكلمات التي قلناها سابقاً ، ربما بطريقة مختلفة ، فاطمة تنصحّني بوضع قائمة للأشياء التي أنوي عملها هذا العام وَ الأشياء التي لا أنوي عملها .. و الأشياء التي يجب أن تتغــيّر .. ، أفكــّر في الأمر .. ، لو وضعتُ تلك القائمة لـ انتهت حياتي ! هل يُــمكن وضع حياة في قائمة ؟ .. لا أريد التفكــير الآن .. أنا هادئ ٌ بلا مطالب ، أو أشياء أرغب في تأديتها سريعاً. وليس على الوقت أن يعجّل أو يتأخر... . ترى مالذي يفعله الناس - الآن - هناك في المدن الكبيرة .. المدن المفتوحة و الصاخبة ؟

أوووه وَ هذا الغبار الذي يذكــّـرني بالعالم !