١/٠٩/٢٠١٢

عبدربه ...




بعد توقيع الاتفاقية الخليجية و آليتها التنفيذية ينتظر الجميع موعد الانتخابات الرئاسية بأعصاب مشدودة ، ذلك أنّ عبور كل الألغام التي تتفجّر مع تنفيذ نقاط الاتفاقية ، و التي تكرر القوى الدولية أنها تراقب عن قرب تنفيذها و أنّ لا مجال للفشل في ذلك ، وصولاً الى انتهاء المرحلة الأولى منها بالانتخابات الرئاسية المبكرة الني يُفترض أن ينتج عنها انتخاب عبدريه منصور هادي رئيساً جديداً ليمن ما بعد الثورة، هو شيء صعب مع كلّ هذه التناقضات و الصراعات التي لم تستطع الثورة حسمها .


بعد توقيع الاتفاقية صار نائب الرئيس عبدربه هادي المفوّض بصلاحيات رئيس الجمهورية هو الشخصية التوافقية و الأهم في هذه المرحلة ، كلّ شيء في الاتفاقية يبدو مرهوناً ب هذه الشخصية .. القوى الفاعلة التي استطاعت اجبار السلطة و المعارضة على التوقيع على المبادرة تتعامل مع نائب الرئيس ك حجر زاوية لبناء مرحلة جديدة في تاريخ هذا البلد السيء الحظ . حتى علي صالح .. يبدو مُجبراً تماماً على التعامل مع هذه الحقيقة .


إلى ما قبل توقيع الاتفاقية ، عبدربه منصور هادي لم يكن يستند على أي قوّة تمكنه من أي شيء .. لا ثقل قبلي .. لا قوة عسكرية و لا تحالفات حقيقة و لا ثقل حزبي أو سياسي يُذكر .. ، و مع كونه جنوبياً لكنه لا يمثل للجنوبين أي شيء . كان مجرد شخص يحتاج صالح أن يستخدمه دون أن يمكن اعتباره حتى من ازلام النظام و اركانه .


بعد توقيع الاتفاقية .. تعتقد المعارضة و القيادات العسكرية المنشقة باظهار احترامها و ثقتها و دعمها له أنّها تكسبه كحليف ، و يعتقد علي صالح أنّه قادر على أن يستخدمه كقفاز ، على الأقل حتى يتمكن من الاستمرار في الوجود حزبياً و عائلياً في يمن ما بعد الثورة و ما بعد الاتفاقية . شخصية عبدربه هادي … و ضعفه في بلد لا يمتلك أي من شروط القوّة فيه هو ما رهان علي صالح … و هو ايضاً رهان المعارضة .


الشيء الواضح هنا أنّه لأوّل مرّة في تاريخ بلدنا البائس يرتبط منصب الرئيس مُسبقاً بشخصية معيّنة لا بديل عنها .. الجميع يفهم أنّ عبدربه سيكون الرئيس ، أنّه يجب أن يكون الرئيس ، العالم و دول الجوار و النظام السابق و المعارضة و حتى الثّوار في الساحات . هذه هي قوّة عبدربه منصور هادي ، الجميع يحتاجه و لا يستطيع التخلص منه ، اما أن يكون رئيساً أو نتجه للصراع المسلّح الذي تعي كلّ الاطراف عدم قدرتها قبل الاتفاقية الخليجية على البدء فيه ، لا علي صالح قادر أن يعيد أسطورته الشخصية أيام حرب ٩٤ و لا المعارضة و الجيش المنشق قادر على اجتثاث علي صالح و نظامه عسكرياً ، و كلا الطرفين غير قادرين ايضاً على الاستمرار في حروب القصف الليلي بين المعسكرات ، الجيش مفكّك .. و الأجهزة العسكرية برهن الانشقاقات و الولاءات ما عادات مضمونة أبداً .



لكنّ عبدربه منصور لا يمكنه أن يستمر بهذا الضعف طويلاً ، و اذا وصلنا لانتخابات فبراير بعد أسابيع فإنّ عبدربه لن يكون مجرّد نائب للرئيس و شخصية مدعومة دولياً و اقليمياً و محليّاً ، عبدربه سيصبح رئيس الجمهورية .. رئيساً بكامل الصلاحيات و قائداً أعلى للقوات المسلحة . و اضافة الى قوّة حاجة الجميع له داخلياً و خارجياً سيصير سلاح الشرعية الدستورية بيده .. بكلّ ما يعنيه ذلك من صلاحيات ادارية و مالية و عسكرية مُطلقة و لن يستطيع أن يستمر في ظلّ علي صالح ذلك أنّ سياق المرحلة سيجبره على التصرف بقوة أكثر و باستقلالية أكبر .



هنا يجدر التذكير ، أنّ المبادرة الخليجية الى جانب كونها تسوية "ممكنة" بين السلطة و المعارضة و تحالفاتهما العسكرية و القبلية ، هي في الأساس تدشين لعهد ما بعد علي صالح . علي عبدالله صالح يُراد له أن ينتهي .. و لم يعد من الممكن انقاذه . هذه حقيقة يفهمها علي صالح نفسه .. لكنّ هذا لا يمنع آنّه يحاول أن يقاومها ، هو و كلّ حلفاؤه الذين يفهمون أنّهم سينتهون معه .. عاجلاً أم آجلاً .. من ابناء و مستفيدين و متنفذين .. و كّل تلك القوافل التي لا تنتهي من اللصوص و الفاسدين الذين صنعهم خلال ٣٣ عاماً من حكمه .





الاتفاقية VS الدستور





يهمّني توضيح مسألة مهمّة في البداية و هي أنّ مجلس النواب اليمني انتهت شرعيته منذ ٢٠٠٩ م و أنّ التمديد له كان بالاتفاق بين المؤتمر و المعارضة ( و هذا لم يكن قانونياً و لا دستورياً ) و أيضاً انتهى التمديد في ٢٠١١ م ، إذن مجلس النواب اليمني من الناحية الدستورية هو باطل و لا وزن له . الحكومة أيضاً صارت حكومة تسيير أعمال - ما قبل توقيع المبادرة - و لم يكن هناك من شرعية دستورية سوى شرعية الرئاسة ( و هذه أيضاً يمكن الجدل بأنّ الثورة الشعبية تجاوزتها ) .. ، ثم كان توقيع الاتفاقية الخليجية بما تجمله من نقاط و اجراءات تتجاوز الدستور نفسه . و أمام كلّ هذه الخروقات الدستورية العظيمة لا يعود الحديث عن الدستور سوى ثرثرة لا يمكن أن ينتج عنها أي شيء .


و الآن :


أسابيع قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية المبكّرة التي فرضتها المبادرة الخليجية ، الانتخابات التي يُفترض أن تطوي تماماً صفحة رئاسة علي صالح لليمن .. و التي تم الدعوة إليها من قبل نائب الرئيس - الذي تم نقل صلاحيات الرئيس الدستورية إليه بمجرد التوقيع على المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية - . بموجب المبادرة سيكون نائب الرئيس هو المرشح التوافقي .. و الواضح أنّه ضمنياً سيكون الفائز بهذه الانتخابات التي تم النصّ عليها في المبادرة للوصول الى تسليم سلمي للسلطة يحفظ البلد من صراع مسلح ، بدا أنّه المخرج الوحيد الممكن سياسياً بعد أن استعصى الخيار الثوري .


في البداية ، إذا لم نقبل بالمبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية فإن النقاش حول دستورية ما سيتم البناء عليها من عدمه لا لزوم له .. سواء حكومة الوفاق الوطني أو الانتخابات الرئاسية المبكرة بكل حيثيّاتها و انتهاء بقانون الحصانة المختلف عليه . نعم .. هذه المبادرة التي تتضمن تسويّة معيّنة وفق نقاط محددة من قبل اطراف دولية فاعلة هي قطعاً ليست دستورية في الأساس .. و هي أيضاً لم تدّع ذلك و لم تُقدّم في الأصل كحل دستوري بل إنها و بحسب البند الرابع من مقدّمتها تنصّ حرفياً : أن يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة.


إذن كلّ انتقاد مستند على دستورية أو عدم دستورية الاجراءات التي تم و سيتم الشروع بها من قبل الأطراف الموقّعة على الاتفاق بالاستناد على نص المبادرة و الآلية لا معنى له .



و إذا قبلنا بالمبادرة الخليجية فإنّ أي انتقادات دستورية للاجراءات نفسها يجب أن يتم أساساً بما لا يتعارض مع نصّ الآلية . فالاتفاقية الآن بعد التوقيع عليها هي بمثابة اتفاق فوق دستوري حتى الانتهاء من الفترة الانتقالية كاملة يتم فيها انتخاب رئيس توافقي و تشكيل حكومة وفاق و لجنة صياغة دستور جديد و استفتاء عام على الدستور الجديد و تنتهي بانتخابات برلمانية و رئاسية بعد عامين . و هذا ما سأحاول توضيحه "تحديداً" بخصوص انتخابات الرئاسة المزمع اجراؤها في فبراير من هذا العام .



في الجزء الثالث من الاتفاقية الخاص بالمرحلة الأولى من الفترة الانتقالية و حول بند الانتخابات الرئاسية المبكرة تنص الاتفاقية في فقرتها الثالثة على ما يلي :


يلتزم الطرفان في هذه الاتفاقية بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي.



الطرفان الموقعّان على الاتفاقية و بحسب مقدمّة الاتفاقية و بالنص هما : التحالف الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه) و المجلس الوطني ( أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه ).



هذا يعني أنّ عبدربه منصور هادي هو مرشح توافقي بين المؤتمر و حلفاؤه و اللقاء المشترك و حلفاؤه و لكنّ ليس قطعاً المرشح الوحيد في هذه الانتخابات . و لتوضيح ذلك نستعيد هنا المواد التالية من قانون الانتخابات العامة والاستفتاء :


مادة ٦٥ - الفقرة د : لا يجوز إجراء الانتخابات الرئاسية بأقل من اثنين من المرشحين ؟

مادة ٦٦ : يعتبر مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية من يحصل على تزكية نسبة ٥٪ من مجموع عدع الأعضاء الحاضرين لمجلس النواب و الشورى و تكون التزكية بالاقتراع السرّى المباشر و لا يجوز لأي عضو أن يزكّي لانتخاب الرئاسة أكثر من مرشح واحد من بيت أسماء طالبي الترشيح المعروضة من قبل هيئتي الرئاسة للمجلسين .



المبادرة الخليجية لم تنصّ على أنّ عبدريه منصور هادي هو المرشح الوحيد للرئاسة حصراً .. كما أنها لم تحصر تزكية عبدربه منصور هادي للترشح لمنصب الرئيس لكنها نصّت على أن يلتزم طرفان معيّنان بتزكيته مرشحاً ، حيث أنّ مجلس النواب مثلاً ليس مقسوماً بين المؤتمر و المشترك فقط ، هناك مستقلوّن و هناك أعضاء استقالوا من المؤتمر بعد الثورة و قبلها أو خرجوا من المشترك ليكوّنوا تكتلات تجمعهم ، و نفس الشيء بالنسبة لمجلس الشورى .


مع ملاحظة أنّ المبادرة لو كانت نصّت على أنّ عبدربه هادي هو المرشح الوحيد في الانتخابات (في مخالفة واضحة للفقرة د من المادة ٦٥ لقانون الانتخابات المذكورة أعلاه ) فسيمكن تبرير ذلك أيضاً استناداً على نصّ المقدمة الذي يوضّح أنّ الاتفاق على المبادرة يحلّ محلّ أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة و لا يجوز الطعن بها . لكنّ ذلك لم يكن ممكناً حقيقة لأنّ الاتفاقية ليس بإمكانها أن تشمل من لم يوافق عليها ، هذا من جهة .. و من جهة أخرى أنّها بالأساس جاءت كمخرج مساعد لتجاوز خلافات دستورية كثيرة و تناقضات كانت محور خلافات طويلة و عميقة لم تحلّها الحوارات بين علي عبدالله صالح و أحزاب اللقاء المشترك حول الانتخابات (سواء البرلمانية أو الرئاسية) ما قبل الثورة اليمنية .. أدّت الى تأجيل الانتخابات البرلمانية و هددت بتعطيل الانخابات الرئاسية التي كان مقرراً أن تكون في ٢٠١٣ .



هذا من الناحية الشكلية القانونية ، هو تحايل .. نعم ، اذ كلنا يفهم أنّ نائب الرئيس هو المرشح الفعلي و الوحيد المدعوم لكي يكون الفائز ، لا وجود لمنافسة و الانتخابات ستكون بمثابة تزكية ، لكنّ بغض النظر عن هذه الحقيقة ما يهمنا هو فقط توضيح الشكل القانوني و الدستوري بالاستناد الى المبادرة الخليجية .