نهاية عام ..
بداية آخر .. !
كانَ ؛ .. ما سيكــونْ ؟
لا شيء سوى البؤس .. !
عن الحُبّ .. و اليأس
عيناي مفتوحتان تماماً .. أحدّق في الظلمة ، كما لو كنتُ أحاول إستشراف مستقبلي .. و كنتُ أردد دائماً ، و باستمرار ، أنّه إذا أحبّ رجلٌ مخلص و يائس -مثلي- امرأةً من كل قلبه و إذا كان على استعداد لقطع أذنه و ارسالها بالبريد إليها .. إذا أخرج دم قلبه و ضخّه على الورق .. إذا أشبعها بحاجته و شوقه لها .. حاصرها إلى الأبد ، .. لعلّها لن ترفضه .
الرجل الأكثر سذاجة ، الأكثر ضعفاً .. يجب على الرجل الأقلّ جدارةً أن ينتصر إذا كان مستعدّاً للتضحيه بآخر قطرة من دمه .. إذ لا يمكن لامرأة أن ترفض الحب المطلق .
في النهاية ، تهرُب لوليتا من همبرت همبرت مع شاب لتتركه وحيداً يتخبّط في ذكرياته و حِـمَمـِه الداخلية ... و ذات يوم ، يجد منها رسالةً في صندوق بريده ، تطلب منه المساعدة الماديّة، يذهبُ إلى بيتها و يمنحها مبلغاً كبيراً .. ثمّ يتوسل بها بألم ٍ و حرقة أن تترك زوجها و تعود إليه كما هي .
لا تحتاج سوى ما يقارب العشرين خطوة إلى سيارته الواقفة جوار البيت ..إلّا أنها ترفض مرددّة بأنّ الأمر إنتهى ، فيخرج .. بينما المطر يهمي .. يسوقُ سيّارته عبر رذاذ ذلك اليوم المميت .
ماسحات الزجاج تعملُ بقدرتها التامّة .. لكنّها لم تتغلب على دموعه المنهمرة ...
ما أمرّ أن تبقى عازباً ..
ألا تصعد أبداً الدرج الذي يضيق بك وبامرأتك ..
أن تسكن غرفةً لا يتصل الباب الأيمن فيها، والباب الأيسر إلا بشقق الغرباء .. .
أن ترجع مساءً وعشاؤك في يدك ...
أن تعجب بأبناء الآخرين دون أن تستطيع إلاّ قولا واحدا : ليس لي أبناء .
ما أمرّ أن تبقى عازباً ..
أن تكون مريضاً وحدك، خلال أسابيع، وأن تتأمل من قلب سريرك الغرفة القفر...!
لم تعمد الاكاديمية السويدية إلى إحداث مفاجأة، كما هي الحال غالباً، فمنحت الجائزة للكاتب التركي أورهان باموك، وهو أمر كان متوقعاً لدى الجميع ، و يجب أن نتذكر العام الماضي حين كان مرشحا بقوة لنيلها، إلا أنها ذهبت إلى المسرحي الكبير هارولد بنتر، حيث علّل البعض عدم فوز باموك بها، بأن سنّه لا تزال تسمح له بالانتظار قليلا. لكنه انتظار لم يدم طويلا. سنة واحدة فقط ، وها هو اليوم يصبح من الخالدين . بعيداً عن الطابع السياسي للجائزة و مواقف باموك الجريئة .. الحقيقة هي أنّه الاسم الأبرز راهناً في الحركة الروائية التركية، واستطاع فعلاً ان يتخطى الروائي يشار كمال، فاتحاً أفقاً جديداً للرواية التركية الحديثة، ومؤسساً عالماً يجمع بين الشرق والغرب، على غرار مدينته اسطنبول التي يعبرها نهر البوسفور فاصلاً بين أوروبا وآسيا، بين الذاكرة والمخيّلة.
باموك لم يكن حاملاً رسالة في السياسة ولا مبشراً بعقيدة راسخة لاتعترف بالخطأ. وهو في هذا الصدد يقول: «بالنسبة لي ينبغي للأدب أن يكون من أجل الجمال وحده، لا لتوجيه رسائل سياسية، فأنا أكتب لأؤثر في القارئ بكتابتي الجيدة. حتى في روايتي السياسية «ثلج»، لم أحاول أن أنقل رسالة سياسية، بل كل ما حاولت فعله الحديث عن روح هذا البلد ومشكلاته، وعن الألم والغضب في جزء بعيد من هذا البلد يرقد تحت ظلال أوروبا ، ولكن من دون أن أجدني معنياً بالمشاركة في هذا الصراع، فالأدب في النهاية يتكلم عن الحياة، ويعكس النقطة الأكثر عمقاً في الروح الإنسانية». من هذا المعنى أورهان باموك هو الابن النموذجي لتركيا، إنه مدوّن سيرتها الأكثر صدقاً ومقدرة. وهو إذ يدون لحظات عظمتها لايقفز عن لحظات مرضها أيضاً. يرسم وجهها المشرق لكنه لا يترك جانباً عوارض السل الذي ما برح يحفر في سحنتها .
من الأفضل البحث عن هذا الكاتب و قرائته ، هذا الكاتب الذي لم يتوانى عن معالجة النزاع الداخلي للأتراك المعاصرين، والتناقض بين الحداثة والدين، بين المعاصرة والتقليد، اضافة الى مسألة الهوية أو الانتماء .. مسائل نحتاج نحن العرب أن نقف عندها و نعالجها .
مع "جودت بك و أولاده"، "الكتاب الأسود" ، "إسمي أحمر"،"الحياة الجديدة"،"القلعة البيضاء" ، "إسطنبول"،"ثلج". هذا الإنتاج القليل كمّاً و الواسع و الكثيف معنى و معالجة ، ستكتشف عوالم هذا الروائي العظيم بحق.