٣/١٢/٢٠١٠

الحب في زمن الكوليرا




كانَ فلورينتينو اريثا ، المتصلّب من شدة المعاناة ، يساعد في الاعداد للرحلة كما بامكان ميت أن يساعد في الاعداد لجنازته . لم يقل لأحد أنه ذاهب ، و لم يودع أحداً ، واحتفظ بالكمان الحديدي الذي لم يكشف فيه لأحد سوى أمه سرّ عاطفته المقهورة . و لكنه في عشية السفر اقترف حماقة قلبية أخيرة كان يمكنها أن تكلفه حياته . ارتدى في منتصف الليل بدلة الأحد ، و عزف وحيداً تحت شرفة فيرمينا داثا .. فالس الحُب الذي وضعه لها ، و الذي لا يعرفه أحد سواهما ، و كان خلال ثلاث سنوات شعار ترافقهما المتناقض . عزفه مدمدماً بكلمات الأغنية على الكمان الغارق بالدموع و بإلهام زخم جعل كلاب الشارع تبدأ بالعواء منذ النغمات الأولى ، ثم تلتها كلاب المدينة بأسرها ، و لكنها أخذت تصمت بعد ذلك شيئاً فشيئاً في أفق الموسيقى ، الى ان انتهى الفالس بصمت ما ورائي . لم تُفتَح الشّرفة ، و لم يُطلّ أحدٌ على الشارع حتى و لا الحارس الليلي الذي يهرع عادة بفانوسه محاولاً التحضر بالاستماع للسيرنادات الليلية . لقد كان فالس الوداع هذا رُقية تفريج عن فلورينتينو اريثا ، لأنه ما أن خبأ الكمان في علبته و ابتعد في الشوارع الميتة دون أن يلتفت إلى الوراء ، حتى فقد الشعور بأنه سيغادر في صباح اليوم التالي و انتابه احساس بأنه قد غادر منذ سنوات طويلة بقرار قاطع ألا يعود أبداً .


الحب في زمن الكوليرا - غارسيا ماركيز