٣/٠٩/٢٠٠٩

أحرق ُ ذاكرتي





في تلك اللحظة .. قبل ان تدور الساعة دورتها الأخيرة لتلك الليلة .. كان كلّ شيء معتماً امامي .. لا اعرف أين سأسير .. كيف يمكن أن استمر .. مالذي يمكن ان افعله .

فقط المسافة من باب غرفتي الى الدرج .. وَ بعدها اتجاوز هذا العالم الثقيل الخانق .


لا  أتذكـــّر  - رغم أني قضيت وقتاً طويلا في التفكــير – أنني كنتُ افهم مالذي سأنتهي اليه بعد اسبوعين فقط ، انا الذي كنت احسب انني في اسوأ الأحوال سأكون قادرا على ان امضي في النقلة الأصعب في حياتي لفترة قد تكون محدودة بالأبد و قد تكون محكومة ب عدد من الأشهر ..  ،  كانت مقامرتي الأولى و الكبيرة .. راهنتُ فيها على كل شيء دون ادري ، ذلك انّي – كما لازلتُ اعتقد حتى الآن – كنتُ مدفوعاً في سياق اختلطت فيه افكاري المتراكمة و المحمومة حول الحرية الفردية و ما تقتضيه من صدام مع قيود الأب و العائلة بـ  ايماني الجديد – و المستمر حتى الآن -  بعبثية هذا العالم و وجوب محاولة البحث له عن معاني ذاتية .. الحرية .. التجربة .. الحب ..

 

كنت أستعيد في خيالي كلّ قصص الهروب التي قرأتها او سمعتها .. ،  و أحاول تخمين نهاية لقصتي أنا .

 

 

حمَد



 

لا أستطيع الجزم متى و كيف كانت المرة الأولى التي إلتقيتُ فيها حمد ..  على الرغم من تواتر ذاكرة الطفولة عندي و حضورها المستمر في مناماتي و صحوي .

أتخيّل اني اعرفه منذ بدأت وعيي بالأشياء و الأشخاص . و دائماً ما تحضرني تلك اللحظة التي بكينا فيها – انا و هو – طويلاً و نحن نحتضن بعضنا ليلة سفري الى اليمن .. كنتُ في التاسعة حينها على الأرجح .. و هو كذلك .. كانت تلك أوّل مرة أغادره فيها و لا تزال تلك الدموع تذكرني كلّما حاولت ان أفهم ماذا فعلت بنا الحياة بعد كلّ هذا الوقت !

 

كنّا نسكن في الشقة العلوية من عمارة يملكها والده و يقيمون هم في طابقها الأرضي الواسع . درسنا في نفس المدرسة الصغيرة الواقعة على الطرف البعيد من شارعنا  .. كنّا في نفس الفصل .. و طبعاً تشاركنا نفس الطاولة ..

اشتركنا في نفس المعارك الطفولية الصغيرة و رافقنا نفس الأشخاص .. نتبادل الأحذية و القمصان و حتى اننا كنّا نستحم سوية في الغالب .

 

حتى اليوم لم أشترك مع انسان او اتقاسم معه حياة ً يومية لفترة طويلة كما كنتُ و حمد .. و حتى آخر مرّة قابلته فيها كنتُ أعامل في البيت على أنّي فرد من العائلة كلّما مررتُ عليه . 

 

كانت آخر مرّة رأيتُ فيها حمد في 2004  تقريباً .. كانت ليلة زواجه .. عدتُ بعدها الى اسطنبول لأعود بعد أشهر قليلة و علمتُ انه ذهب ليواصل الماستر في أميركا ، لم أحاول أبداً التواصل معه بعدها  لكنني كنتُ أمرّ على بيت العائلة من وقت لآخر .

 

 

لا أفهم مالذي حدث ..

 

و بسبب الدموع التي تمتليء بها عيناي الآن يبدو أنّ حمد لا يزال قادراً على أن يكون أحد أكثر البشر الذين عرفتهم قدرة على إثارة حنيني .