١/٠٩/٢٠١٢

الاتفاقية VS الدستور





يهمّني توضيح مسألة مهمّة في البداية و هي أنّ مجلس النواب اليمني انتهت شرعيته منذ ٢٠٠٩ م و أنّ التمديد له كان بالاتفاق بين المؤتمر و المعارضة ( و هذا لم يكن قانونياً و لا دستورياً ) و أيضاً انتهى التمديد في ٢٠١١ م ، إذن مجلس النواب اليمني من الناحية الدستورية هو باطل و لا وزن له . الحكومة أيضاً صارت حكومة تسيير أعمال - ما قبل توقيع المبادرة - و لم يكن هناك من شرعية دستورية سوى شرعية الرئاسة ( و هذه أيضاً يمكن الجدل بأنّ الثورة الشعبية تجاوزتها ) .. ، ثم كان توقيع الاتفاقية الخليجية بما تجمله من نقاط و اجراءات تتجاوز الدستور نفسه . و أمام كلّ هذه الخروقات الدستورية العظيمة لا يعود الحديث عن الدستور سوى ثرثرة لا يمكن أن ينتج عنها أي شيء .


و الآن :


أسابيع قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية المبكّرة التي فرضتها المبادرة الخليجية ، الانتخابات التي يُفترض أن تطوي تماماً صفحة رئاسة علي صالح لليمن .. و التي تم الدعوة إليها من قبل نائب الرئيس - الذي تم نقل صلاحيات الرئيس الدستورية إليه بمجرد التوقيع على المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية - . بموجب المبادرة سيكون نائب الرئيس هو المرشح التوافقي .. و الواضح أنّه ضمنياً سيكون الفائز بهذه الانتخابات التي تم النصّ عليها في المبادرة للوصول الى تسليم سلمي للسلطة يحفظ البلد من صراع مسلح ، بدا أنّه المخرج الوحيد الممكن سياسياً بعد أن استعصى الخيار الثوري .


في البداية ، إذا لم نقبل بالمبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية فإن النقاش حول دستورية ما سيتم البناء عليها من عدمه لا لزوم له .. سواء حكومة الوفاق الوطني أو الانتخابات الرئاسية المبكرة بكل حيثيّاتها و انتهاء بقانون الحصانة المختلف عليه . نعم .. هذه المبادرة التي تتضمن تسويّة معيّنة وفق نقاط محددة من قبل اطراف دولية فاعلة هي قطعاً ليست دستورية في الأساس .. و هي أيضاً لم تدّع ذلك و لم تُقدّم في الأصل كحل دستوري بل إنها و بحسب البند الرابع من مقدّمتها تنصّ حرفياً : أن يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة.


إذن كلّ انتقاد مستند على دستورية أو عدم دستورية الاجراءات التي تم و سيتم الشروع بها من قبل الأطراف الموقّعة على الاتفاق بالاستناد على نص المبادرة و الآلية لا معنى له .



و إذا قبلنا بالمبادرة الخليجية فإنّ أي انتقادات دستورية للاجراءات نفسها يجب أن يتم أساساً بما لا يتعارض مع نصّ الآلية . فالاتفاقية الآن بعد التوقيع عليها هي بمثابة اتفاق فوق دستوري حتى الانتهاء من الفترة الانتقالية كاملة يتم فيها انتخاب رئيس توافقي و تشكيل حكومة وفاق و لجنة صياغة دستور جديد و استفتاء عام على الدستور الجديد و تنتهي بانتخابات برلمانية و رئاسية بعد عامين . و هذا ما سأحاول توضيحه "تحديداً" بخصوص انتخابات الرئاسة المزمع اجراؤها في فبراير من هذا العام .



في الجزء الثالث من الاتفاقية الخاص بالمرحلة الأولى من الفترة الانتقالية و حول بند الانتخابات الرئاسية المبكرة تنص الاتفاقية في فقرتها الثالثة على ما يلي :


يلتزم الطرفان في هذه الاتفاقية بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي.



الطرفان الموقعّان على الاتفاقية و بحسب مقدمّة الاتفاقية و بالنص هما : التحالف الوطني (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه) و المجلس الوطني ( أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه ).



هذا يعني أنّ عبدربه منصور هادي هو مرشح توافقي بين المؤتمر و حلفاؤه و اللقاء المشترك و حلفاؤه و لكنّ ليس قطعاً المرشح الوحيد في هذه الانتخابات . و لتوضيح ذلك نستعيد هنا المواد التالية من قانون الانتخابات العامة والاستفتاء :


مادة ٦٥ - الفقرة د : لا يجوز إجراء الانتخابات الرئاسية بأقل من اثنين من المرشحين ؟

مادة ٦٦ : يعتبر مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية من يحصل على تزكية نسبة ٥٪ من مجموع عدع الأعضاء الحاضرين لمجلس النواب و الشورى و تكون التزكية بالاقتراع السرّى المباشر و لا يجوز لأي عضو أن يزكّي لانتخاب الرئاسة أكثر من مرشح واحد من بيت أسماء طالبي الترشيح المعروضة من قبل هيئتي الرئاسة للمجلسين .



المبادرة الخليجية لم تنصّ على أنّ عبدريه منصور هادي هو المرشح الوحيد للرئاسة حصراً .. كما أنها لم تحصر تزكية عبدربه منصور هادي للترشح لمنصب الرئيس لكنها نصّت على أن يلتزم طرفان معيّنان بتزكيته مرشحاً ، حيث أنّ مجلس النواب مثلاً ليس مقسوماً بين المؤتمر و المشترك فقط ، هناك مستقلوّن و هناك أعضاء استقالوا من المؤتمر بعد الثورة و قبلها أو خرجوا من المشترك ليكوّنوا تكتلات تجمعهم ، و نفس الشيء بالنسبة لمجلس الشورى .


مع ملاحظة أنّ المبادرة لو كانت نصّت على أنّ عبدربه هادي هو المرشح الوحيد في الانتخابات (في مخالفة واضحة للفقرة د من المادة ٦٥ لقانون الانتخابات المذكورة أعلاه ) فسيمكن تبرير ذلك أيضاً استناداً على نصّ المقدمة الذي يوضّح أنّ الاتفاق على المبادرة يحلّ محلّ أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة و لا يجوز الطعن بها . لكنّ ذلك لم يكن ممكناً حقيقة لأنّ الاتفاقية ليس بإمكانها أن تشمل من لم يوافق عليها ، هذا من جهة .. و من جهة أخرى أنّها بالأساس جاءت كمخرج مساعد لتجاوز خلافات دستورية كثيرة و تناقضات كانت محور خلافات طويلة و عميقة لم تحلّها الحوارات بين علي عبدالله صالح و أحزاب اللقاء المشترك حول الانتخابات (سواء البرلمانية أو الرئاسية) ما قبل الثورة اليمنية .. أدّت الى تأجيل الانتخابات البرلمانية و هددت بتعطيل الانخابات الرئاسية التي كان مقرراً أن تكون في ٢٠١٣ .



هذا من الناحية الشكلية القانونية ، هو تحايل .. نعم ، اذ كلنا يفهم أنّ نائب الرئيس هو المرشح الفعلي و الوحيد المدعوم لكي يكون الفائز ، لا وجود لمنافسة و الانتخابات ستكون بمثابة تزكية ، لكنّ بغض النظر عن هذه الحقيقة ما يهمنا هو فقط توضيح الشكل القانوني و الدستوري بالاستناد الى المبادرة الخليجية .















ليست هناك تعليقات: